أحزاب المناولة

في «أحزاب المناولة»


الأحزاب نظريا هي مجموعة من المواطنين توافقت على مبادئ معيّنة تعكس رؤيتها في الشأن العام، وتطرح تصوّرها وبرامجها للناس كي تصل إلى الحُكم أو تشارك فيه طبقا للضوابط القانونية المتعارف عليها.
ما دفعنا للتذكير بهذا التعريف المُبَسَّط هو «خيانة» بعض الأحزاب له فهي لا تبحث عن انتشار شعبي ليزداد إشعاعها ولا تقدّم برامج وأفكارا ولكنها تنام بما فيه الكفاية في محاكاة لقصّة «النملة والصّرصار»، ثمّ تستيقظ متثائبة مع قرع طبول الانتخابات لتعرض خدماتها على بقية الأحزاب طالبة تكليفها بمهمّة. طبعا شروط هذا العرض تزداد في الارتفاع كلما كانت الطلبات كثيرة. والسؤال المطروح، ما هي كُلْفَة الحزب المُكَلَّف بمهمّة عند حزب آخر؟. «رأس المال» ينحصر في بعض التصريحات النارية والموجَّهة وخاصة المتفق عليها لإبلاغ رسالة أو موقف.  صاحب الرسالة في الحقيقة هو الحزب ذو اليد الخفيّة، أمّا الصوت والديباجة فهي حكر على «الحُزَيِّب» العارض لخدماته.
لو عدنا بالذاكرة إلى الجبهات الظّرفية التي قامت بها الأحزاب في السنوات الأخيرة، لوجدنا أنّ أغلبها تشكّل  لمواجهة أزمات سياسية لها انعكاسات على الأحزاب الكبرى منها. فكانت تكتيكات هذه «الكبرى» متماثلة: إعلان تكوين جبهة مثلا لمساندة الشرعية أو لتصحيح المسار أو لإسقاط التأسيسي (أي أنها لا تخرج عن ثنائية مساندة الحكومة أو معارضتها)، ويكون الإخراج رديئا ومكشوفا: حزب كبير في ائتلاف ظرفي مع عشرات الأحزاب الميكروسكوبية والتي تغيب أسماؤها عن الذاكرة لانعدام ما يدلّ على وجودها فعليا على أرض الواقع، يصدر هذا الائتلاف بيانا في مسألة ما وتتهافت كل مكوّناته على إطلاق التصريحات القوية ومحاولة البروز إعلاميا. الوحيد الذي ينأى بنفسه عن ذلك ويتخفّى وراء «الحُزَيْبات» هو الحزب «الكبير» صاحب المصلحة الأصلي في تلك المواقف دون أن يتورّط مباشرة!.
طبعا، قد يردّ البعض أنّ من حق هذه«الحُزَيْبات»  البحث عن مكان تحت الشمس، كما أنّ المناورة والتكتيكات من طبيعة العمل السياسي. لذلك وجب التوضيح، ليس قَصْدُنا الأحزاب «الصغيرة» ولا مجال للاستنقاص من دورها  لأنها قادرة بنشاطها أن تكبر تدريجيا ومن حقها التواجد و«التكاثر»، ولكننا أمام أحزاب شخصيّة قد لا يتجاوز أحيانا عدد المنتمين إليها صاحب الرخصة وعائلته!، هذه«الحُزَيْبات»  وفي تناقض غريب مع أهداف العمل السياسي، ترفض بشدّة أن تكبر لأنها حصرت دورها طوعا وعن سابق إصرار وترصّد في تحقيق أحلام رئيس الحزب، عفوا رئيس الرخصة في تبوّؤ منصب هام لا أكثر ولا أقل.
 بهذا الطَّرح، لا يستقيم الحديث عن مناورة يقبلها العُرْف السياسي لأننا بهذه الأساليب نكون قد طَرَقْنا للأسف باب المُناولة الحزبية التي لا تحترم أبسط القواعد الأخلاقية المستوجَب وجودها لمن رغب في الاهتمام بالشأن العام.
الانتخابات على الأبواب وعلى المستوى الشكلي البحت، من حق كل من تتوفر فيه الشروط القانونية للترشح وهذا لا نقاش فيه، فقط النوايا تختلف: من حزب جدّي حدّد أهدافه بدقة كالوصول إلى الحُكم أو المشاركة فيه أو الوصول فقط للبرلمان كفرصة للانتشار، إلى «حزب/رخصة» أقصى أحلامه كرسيّ لصاحبه ولو كلفه ذلك عرض خدماته على أصحاب الحظوظ الأوفر كأنْ يترشّح فقط لتشتيت الأصوات، إنه «الرِّبَا» السياسي و«المناولة» الحزبية! . 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

قائمة أولية لرياض ومحاضن الأطفال المتحصلة على وصل ايداع كراس الشروط بولاية سوسة

الثقافة قلب المجتمعات النابض بالحياة

زائف "إقالة وزير التربية محمد علي البوغديري"